كيفية دخول مذهب التمثيل إلى المسلمين عن طريق اليهود
أما كيف دخل مذهب التمثيل إلى المسلمين عن طريق اليهود، فذلك عن طريق عبد الله بن سبأ اليهودي وأتباعه من السبئيين، فقد قالوا في علي بن أبي طالب : أنت الله -تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً- فاليهود عن طريق عبد الله بن سبأ أدخلوا هذه العقيدة الفاسدة، وهي أن الله تبارك وتعالى يحل في المخلوقين، فإذا نظرنا إلى ما يذكرونه في توراتهم وإلى ما قاله عبد الله بن سبأ وأتباعه في حق علي رضي الله عنه، نجد التشابه والتطابق، ثم تلقف هذا المذهب الخبيث الشيعة، وعن طريق السبئية أصبح مذهب التمثيل والتشبيه رائجاً عند الشيعة، ونبغ منهم هشام بن الحكم الرافضي الذي نشر مذهب الرافضة في التمثيل والتشبيه، وقد قلنا: إن الأمر آل بـالروافض إلى الاعتزال، فقد كان أصل دين الرافضة وقدمائهم جميعاً التمثيل والتشبيه، لكن آل بهم الأمر بعد فتنة الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه وأرضاه إلى الاعتزال، ولذلك نجد اليوم الشيعة في كل بلاد العالم مذهبهم ودينهم في الصفات والقدر هو مذهب المعتزلة إلا في فروع يسيرة تتعلق بمسألة الخلافة والإمامة، لكن من حيث الصفات هم نفاة معتزلة .
وأما الجانب الآخر -وهو جانب النفي- فقد دخل إلى المسلمين عن طريق اليهود، فإن اليهود كانوا على قسمين: قسم منهم يؤمنون بما في التوراة والتلمود، وهؤلاء هم الذين يقولون بالإثبات الذي يفضي إلى التمثيل والتشبيه، وقسم آخر من اليهود القدماء تفلسف، وهؤلاء نسميهم فلاسفة اليهود، وفلاسفة اليهود يدينون بدين الفلاسفة، وهو النفي، وصاروا قسمين: يهودي متفلسف، ويهودي على دين التوراة المحرفة والتلمود، وكل منهما نشر هذه البدعة ونشر هذه الضلالة بين المسلمين، وبذلك لا يستغرب أن يكون هناك صلة بين اليهودية وبين الفلسفة.
وتوضيح ذلك أن ابن سبأ من يهود اليمن فلا غرابة أن يكون توراتياً تلمودياً لأن اليمن وجزيرة العرب عموماً، هي أقل احتكاكا بالثقافات الغريبة أو الغربية أو الأجنبية، لكن اليهود الذين كانوا في مصر وبلاد الشام حصل التمازج بينهم وبين الثقافات التي تعود إلى جذور رومانية، ومن هنا ظهر بعض الفلاسفة اليهود، مثل فيلون وهو فيلسوف يهودي مشهور، كما وجد من النصارى فلاسفة أيضاً، وظهر من المنتسبين إلى الإسلام أيضاً فلاسفة، فدينهم واحد من حيث الفلسفة، لكن انتماءاتهم مختلفة من حيث الأديان:
فـفيلون مثلاً يهودي، وأوغسطين نصراني، وابن سينا منتسب إلى الإسلام، فالكل دينهم واحد وهو الفلسفة، وكل يزعم -أو على الأقل بعضهم- أنه بإمكانه أن ينصر دينه بالفلسفة، هذا المدخل الخبيث دخل منه أولئك الضالون على المأمون، حتى حدثت المحنة التي أشار إليها المصنف هنا، فيظنون أنهم بتبنيهم للفلسفة ينصرون دين الإسلام، ويدافعون عن حقائق الدين!! ومع الأسف أنك تجد كثيراً ممن يدافع عن هؤلاء المنحرفين من المعتزلة أو الجهمية أو غيرهم من المتكلمين يقول: إن غرضهم كان الدفاع عن الدين بالحجج والأساليب العقلية، وذلك حتى لا يبقى الإيمان مجرد تلقٍّ ونقل، فمن هذا المدخل الخبيث دخل الشيطان على الأمم قبلنا، وكذلك اليهود أيضاً كان فيهم فلاسفة، وكانوا يظنون أنهم بالفلسفة يؤيدون التوراة، ويؤيدون دينهم، وكذلك النصارى فإن أوروبا الكاثوليكية المعروفة اليوم، تبنت ما يمكن أن نسميه علم الكلام النصراني المأخوذ عن أرسطو، الذي فيه نفي للقدر ونفي للصفات، وكانت الكاثوليكية تدافع عنه وتتبناه. وكثير من الأحبار أو من علماء الدين النصراني كانوا في الحقيقة علماء كلام بالمفهوم الذي ينطبق على علم الكلام عند المسلمين، ويظنون أنهم بذلك يدافعون عن دينهم، وهكذا وقع في هذه الأمة، وعليه فيكون أصل مقالة إنكار الصفات، ومنها إنكار محبة الله، وإنكار أن الله تعالى اتخذ إبراهيم خليلاً، وأنه كلم موسى تكليماً؛ أصلها يرجع إلى الفلاسفة أو المتفلسفة من اليهود، وأما الجانب الآخر فمعلوم كيف دخل في الإسلام.